في صغري كنت دائماً ما أجد في حل المتاهات تحدياً ممتعاً، حتى أنني كنت أتبع طريقة في حل المتاهات وجدتها أكثر سرعة و فعالية .. حيث أنني كنت بدلاً من البدء من المدخل والمخاطرة بالوصول إلى نهايات مسدودة ومن ثم الرجوع مرة أخرى إلى خط البداية، أصبحت أبدأ التحدي من المخرج وأتتبع بعد ذلك الخط الذي يوصلني إلى البداية. لاحظت انني بتلك الطريقة دائماً ما أضمن نجاحي ومنذ المحاولة الأولى دون أدنى تحركات خاطئة أو الوصول لنهايات مسدودة.
Also in This Issue
في الحقيقة، أن هذه الحيلة البسيطة التي سلكت طريقها منذ طفولتي تحمل دروساً عميقة للتخطيط الإستراتيجي بل أنها تختصر بإيفاء ما يعنيه التخطيط الإستراتيجي.
في سياق الأعمال
يمثل “مخرج المتاهة” رؤيتنا (هدفنا النهائي)، أما المسار الذي نرسمه من هذا المخرج وصولاً إلى المدخل فيرمز إلى الخطة الإستراتيجية، وهي خارطة طريق مصممة لنقلنا من حالتنا الحالية إلى مستقبلنا المنشود. يكمن سبب المشابهة في تعدد الـخـيـارات الـتـي تواجهها الشركات في
طريقها نحو تحقيق أهدافها، و عند سلوك أحد هذه الخيارات من دون دراسة تجد المؤسسة نفسها أمام طريق مسدود وذلك من بعد إستهلاك وقت ومصادر الشركة، وعند البدء من البداية تكون الشركة قد فقدت بلا شك حماس الفريق وثقته في أي خطة مستقبلية.
يمكن لهذا النهج العكسي أن يُحدث تغييراً كبيراً في كيفية تخطيط وتنفيذ الشركات لإستراتيجياتها، مما يقوم بدوره بضمان الكفاءة وتقليل مخاطر الفشل.
إعتبار الرؤية نقطة الخروج من المتاهة
يعتبر وضوح الرؤية أمراً بالغ الأهمية في أي مشروع، فالرؤية ليست مجرد فكرة مجردة، إنها وجهة ملموسة تسعى الشركات للوصول إليها وذلك من خلال تحديد هذه النقطة النهائية بوضوح، مما يمكّن الشركات من خلق حالة مستقبلية محفزة توجّه بها جهودها نحو المسار الصحيح تماماً مثل رؤية مخرج المتاهة، و عند وضوح الرؤية يصبح من الأسهل تحديد الخطوات اللازمة لتحقيقها والتنبؤ أيضاً بجميع العقبات المحتملة.إن إستيعاب هذه الرؤية من قبل جميع من في المؤسسة يجعل الجهود موحدة و مكرّسة لتحقيق هدف مشترك.
التخطيط العكسي: رسم المسار الإستراتيجي
يجب أن تتخيّل أنك وصلت إلى هدفك بالفعل.ما هي الخطوة الأخيرة التي قمت بها قبل تحقيق الهدف؟ وما هي الخطوة قبل الأخيرة؟ و الخطوة التي سبقتها؟ بهذه الكيفية وهذه الطريقة من التخطيط نضمن إلتزام جميع من بالمؤسسة – وبالأخص الذين شاركوا في وضع الخطة – بالتنفيذ، و أن هذه الخطة لن تصبح مجرد مستند ُوضع ليتم تخزينه بأحد ملفات المكتب.
بمجرد تحديد الرؤية، تكون الخطوة التالية هي رسم الخط العكسي وصولاً إلـى الـحـالـة الـحـالية – و هذا هو جوهر
التخطيط الإستراتيجي المتمثّل في ترجمة الرؤية إلى مجموعة من الأهداف التي تحقق رؤيتنا عند الوصول إليها. يتضمن التخطيط العكسي:
- تحديد المحطات الرئيسية:
يتم ذلك بتقسيم الرحلة إلى محطات يمكن إدارتها. كل محطة تمثل إنجازاً كبيراً يقرّب المنظمة من رؤيتها. يمكن أن تكون هذه الأهداف أهدافاً ربع سنوية، أهدافاً سنوية أو مؤشرات الأداء الرئيسية التي تقيس مدى التقدم.
- التنبؤ بالتحديات:
من خلال العمل العكسي، يمكن للشركات التنبؤ بالتحديات قبل ظهورها. إنّ لهذا النهج الإستباقي فاعليته في تطوير خطط الطوارئ، الأمر الذي يمنع بلا شك عرقلة التقدم.
- 3. تخصيص الموارد:
يحرص التخطيط الإستراتيجي الفعال على تخصيص الموارد – (الوقت، المورد المالي، والمورد البشري) و ذلك من خلال فهم متطلبات كل محطة، و في هذا الأمر يجب على الشركات ضمان وجود الموارد اللازمة لتحقيق أهدافها والتأكد من مدى جاهزية هذه الموارد لمتطلبات كل مرحلة، إضافةً إلى العمل على تطويرها – إن دعت الحاجة لذلك.
- إنشاء جدول زمني:
يساعد الجدول الزمني المحدد بوضوح على تحديد الأهداف والمواعيد النهائية، تنظيم العمل وتوزيع الموارد، إدارة الوقت، و تحفيز الفريق بالشكل الذي يضمن إستمرارية تركيز جميع أطرافه على الهدف النهائ.
فوائد التخطيط العكسي
يقدم هذا الأسلوب في التخطيط العكسي عدة فوائد:
- الكفاءة: تماماً مثل كون تتبّعنا لمسار إبتداءً من مخرج المتاهة يلغي التحركات الخاطئة، يقوم التخطيط العكسي بتبسيط العملية الإستراتيجية، مما يقلل من الجهد والموارد المهدورة.
- الوضوح: يوفر دليلًا واضحاً مفصّلاً خطوةً بخطوة نحو تحقيق الرؤية، و إن لهذا الوضوح أثرُ بالغُ في أعضاء الفريق إذ أنه ينمّي مهارات التواصل بينهم ويضمن إتفاقهم جميعاً على ذات الهدف.
- القدرة على التكيف والمرونة: بإستخدام خارطة طريق واضحة، يمكن للشركات التكيف بسهولة أكبر مع التغييرات والتحديات غير المتوقعة، مما يمكنهم من تعديل خططهم دون إنحرافهم عن الهدف النهائي.
- الثقة: لا شك أن تعزيز الثقة داخل المؤسسة مربوط بالإستناد على خطة يدرك أعضاء الفريق أنها مدروسةُ جيداً، و يؤثر ذلك على مدى إطمئنان أصحاب المصلحة بأن الأعمال على طريقها الصحيح.
الاستفادة من الأدوات والتقنيات الحديثة:
إن إستخدام التكنولوجيا في أداء أعمالنا أشبه بإختيارنا لوسائل المواصلات، إننا بـلا شـك قادرون على الوصول لوجهاتنا
بها أو بدونها، لكننا حين نختار الوصول بها سنصل بأبسط وأسرع طريقة، وسيكون لنا الأسبقية على جميع من يرفضون إستخدامها.
يمكن أن تعزز الإستفادة من الأدوات والتقنيات الحديثة من نهج التخطيط العكسي:
- تحليل البيانات: يساعد إستخدام تحليل البيانات في إتخاذ قرارات دقيقة في كل محطة من محطات التخطيط، فيمكن أن تتنبأ التحليلات بالتحديات والفرص المحتملة، الأمر الذي يجعل المسار أكثر وضوحاً ودقة، مما يمكننا من إتخاذ إجراءات إستباقية لتقليل أثر التحديات وزيادة الإستفادة من الفرص.
- برامج إدارة المشاريع: يمكن أن تساعد أدوات إدارة المشاريع المختلفة في تتبع التقدم، إدارة الموارد، وضمان الإلتزام بالجداول الزمنية. توفر هذه المنصات معرفة كل شخص بالمسؤولية والمساءلة، وهما أمران حاسمان للحفاظ على أهمية الإلتزام بالخطة الإستراتيجية.
- الذكاء الإصطناعي: إن الذكاء الاصطناعي لايستبدلنا كما يظن البعض، و لكنّه يكمّل مقدراتنا ويعزز مهاراتنا، ويمكننا إستخدامه في نواحي كثيرة أثناء التخطيط.
الخاتمة
إن الدرس المستفاد من فكرة حل المتاهة بسيط لكنه عميق، فآلية البدء من نقطة النهاية والتخطيط بشكل عكسي هي آلية فعّالة تدعم الوصول الحتميّ للهدف بكفاءة بالغة، و تمكّن الفريق من التصور الفعلي لنقطة النهاية.
إن هذا التخطيط العكسي من شأنه أن يجعل التخطيط الإستراتيجي عمليةً منظمة بدلاً من كونه مهمةً شاقة، و يوجّه بذلك الشركات نحو تحقيق رؤيتها بثقة و وضوح
اترك رد