مشاركة في العدد الجديد

التخطيط والمواءمة الاستراتيجية Strategic Planning & Alignment

أبوبكر محجوب إستراتيجي، مستشار التحول الرقمي وإدارة المشاريع

إن الشروع في رحلة التخطيط الإستراتيجي يشبه بشكل مجازي تأليف سيمفونية فريدة، حيث لا يقتصر النجاح على ضرب النغمات الصحيحة فحسب، بل يجب تنسيق مزيج لحْني عبر مستويات متعددة. وفي إطار إستراتيجيات الأعمال، تقوم المنظمات بتنسيق جهودها على ثلاث مستويات إستراتيجية مختلفة ومترابطة، مستوى المنظومة الصناعية Ecosystem، ومستوى الشركة Corporate، ومستوى وحدات الأعمال Business Unit.

تساهم هذه المستويات، المشابهة لأقسام الأوركسترا، في التكوين الشامل للخطط الإستراتيجية، بدءاً من الخطط التعاونية ذات النطاق الصناعي العام، مروراً بالخطط الإستراتيجية التي تقود قرارات المنظمة، وإنتهاءً بالتناغم التام لوحدات الأعمال المختلفة، وتجدر الإشارة بأن لكل مستوى مجموعته الخاصة من الأُطُر والمنهجيات والتحديات وكذلك الفرص.

وبإعتبارها قائد هذه السيمفونية الإستراتيجية، يجب على المنظمات المواءمة بين هذه المستويات بفاعلية ودقة. نستكشف في هذه المقالة تلك المستويات الديناميكية، والعلاقات التكاملية فيما بينها، ونكشف عن الدور المحوري الذي يلعبه تحليل الأعمال والتقدم التكنولوجي في تحقيق التكامل السلس والمواءمة الإستراتيجية فيما بينها.

أولاً – إستراتيجية المنظومة الصناعية Ecosystem Strategy

في طليعة إستراتيجيات الأعمال المعاصرة تقع إستراتيجية المنظومة الصناعية، حيث تسعى المنظمات إلى الإستفادة من الشراكات والتعاون الخارجي دفعاً للإبتكار وتحقيقاً لأهدافها الإستراتيجية. تركز هذه الإستراتيجية على بناء ورعاية العلاقات داخل المنظومة ويتم تطويرها من خلال التحليل الدقيق لديناميكيات السوق، وتحديد الشركاء الرئيسيين، والتفاوض بشأن الإتفاقيات التعاونية. الصناعية، بما في ذلك الموردين والموزعين والعملاء وحتى المنافسين. وفي هذا المستوى من التخطيط الإستراتيجي، يلعب تحليل الأعمال دوراً هاماً في توفير نظرة ثاقبة لإتجاهات السوق والديناميكيات التنافسية وإحتياجات أصحاب المصلحة وذلك بإجراء أبحاث سوقية شاملة وتحليل تفصيلي لأصحاب المصلحة بالإستفادة من الرؤى المستندة إلى البيانات، مما يمكّن المنظمات من تحديد الفرص الإستراتيجية للتعاون والشراكات فيما بينها.

كـمـا يـسـهـم تـحليل الأعمال (التحليل الرباعي SOWT Analysis  وخرائط أصحاب المصلحة) في إتخاذ القرارات اللازمة، ويعزز من المواءمة والتعاون بين أصحاب المصلحة وجمع المتطلبات الفعّالة، ويضمن أن تتماشى الشراكات مع الأهداف الإستراتيجية وتعود بالنفع المتبادل على جميع الأطراف المعنية. وهنا، تساهم أدوات التحليل مثل تحديد أولويات المتطلبات وإدارة أصحاب المصلحة في تخفيف النزاعات وضمان التعاون الناجح بين الجميع.

وعلى الجانب الآخر، فيمكن للتقنيات المدعومة بأنظمة الذكاء الاصطناعي (AI) أن توفِّر تحليلات متقدمة ورؤى تنبؤية، حيث تتيح إمكانية تحليل كميات كبيرة من البيانات وتحديد الأنماط والكشف عن الفرص الخفية للتعاون. على سبيل المثال، يمكن لأنظمة التوصية Recommendations  المدعومة بالذكاء الإصطناعي أن تربط المنظمات بالشركاء المحتملين بناءً على القدرات التكميلية والمصالح المشتركة، مما يسهّل الشراكات الإستراتيجية.

ثانياً – إستراتيجية الشركة Corporate Strategy

تشمل إستراتيجية الشركة جميع القرارات المتخذة على أعلى مستوى في المنظمة، حيث تهدف إلى تحديد النطاق الشامل وإتجاهات (وتوجّهات) العمل. تتضمن هذه الإستراتيجية إدارة المحافظ الإستثمارية والقرارات المتعلقة بالتنويع والإستحواذ والتحالفات الإستراتيجية. الإدارة العليا، بما في ذلك الرئيس التنفيذي ومجلس الإدارة، مسؤولة عن وضع استراتيجية الشركة بناءً على الفهم العميق لإتجاهات السوق والديناميكيات التنافسية والقدرات الداخلية مما يضمن التكامل التام والمواءمة مع إستراتيجية المنظومة الصناعية.

ويعد تحليل الأعمال مفيداً في هذا الجانب من خلال توفير نظرة ثاقبة لفرص السوق والتهديدات التنافسية والقدرات الداخلية، وتقييم عمليات الإستحواذ والشراكات وفرص التنويع المحتملة. وبإجراء الأبحاث السوقية، وتحليل المنافسين، وتقييم القدرات، والتحليل الشامل لحالة  الأعمال، والنمذجة المالية، يساعد تحليل الأعمال في تحديد مجالات النمو الإستراتيجي وإتـخـاذ قـرارات مـسـتـنـيرة فيما يتعلق بإدارة المحافظ واستراتيجيات التوسع. كما تمكِّن أدوات تحليل التكلفة والعائد وتقييم المخاطر من تقييم تأثير القرارات الإستراتيجية على الأداء العام للمنظمة واتخاذ قرارات تعتمد على البيانات التي تدعم الأهداف الإستراتيجية.

وفي الجانب الآخر، تعمل تقنيات الذكاء الإصطناعي على تعزيز إستراتيجية الشركة من خلال توفير تحليلات متقدمة وقدرات هائلة لدعم القرار. حيث يمكِن للخوارزميات التي تعمل بالذكاء الإصطناعي تحليل بيانات السوق والمقاييس المالية وإتجاهات الصناعة لتحديد فرص النمو الإستراتيجي وتقييم الإستثمارات المحتملة. على سبيل المثال، يمكن للتحليلات التنبؤية المدعومة بالذكاء الإصطناعي التنبؤ بإتجاهات السوق وتقييم التأثير المحتمل للقرارات الإستراتيجية على أداء الشركات، مما يمكِّن المنظمات من إتخاذ قرارات مستنيرة تؤدي إلى خلق القيمة على المدى الطويل.

ثالثاً – إستراتيجية وحدات الأعمال Business Unit Strategy

تركز إستراتيجية وحدات الأعمال على كيفية تنافس الوحدات الفردية داخل أسواق أو قطاعات صناعية محددة. حيث تهتم بإكتساب ميزة تنافسية من خلال القرارات المتعلقة بقيادة التكلفة أو التمايز أو إستراتيجيات التركيز. يتحمل مـديـــرو وحـــدات الأعـــمــال والقــادة

الوظيفيون مسؤولية تطوير وتنفيذ تلك الإستراتيجيات التي تستفيد من فرص السوق وتعالج التهديدات التنافسية.

وهنا، يعد تحليل الأعمال ضرورياً من خلال توفير نظرة ثاقبة لإحتياجات العملاء وإتجاهات السوق وسلوك المنافسين. وبالإستفادة من أدوات التحليل مثل تجزئة العملاء، وأبحاث السوق، وتحليل المنافسين، يتم تحديد الفرص الإستراتيجية للتمييز وتطوير إستراتيجيات مخصصة تلبي إحتياجات العملاء وتتفوق على المنافسين. كما يترجم تحليل الأعمال إستراتيجيات الوحدات إلى خطط فعالة ومبادرات قابلة للتنفيذ من خلال إجراء تحليل مفصّل للعمليات التجارية وإستنباط المتطلبات، وعليه تتم المواءمة بين الأهداف الإستراتيجية والتنفيذ التشغيلي. وتساعد أدوات نمذجة العمليات التجارية وتحديد أولويات المتطلبات على مواءمة إستراتيجيات الأعمال مع القدرات التشغيلية، مما يضمن التنفيذ السلس والتكامل عبر وحدات الأعمال المختلفة.

وبطبيعة الحال، فيمكن لتقنيات الذكاء الإصطناعي أن تعزز الإستراتيجية على مستوى الأعمال من خلال توفير التحليلات المتقدمة وقدرات التحسين. حيث تعمل خوارزميات الذكاء الإصطناعي على تحليل بيانات العملاء وإتــجــاهــات الســوق والمــقـايـيـس التشغيلية لتحديد فرص التحسين وتحسين الكفاءة. على سبيل المثال، يمكن للتحليلات التنبؤية المدعومة بالذكاء الاصطناعي التنبؤ بطلب العملاء وتحسين استراتيجيات التسعير، مما يمكّن المنظمات من زيادة الإيرادات والربحية إلى أقصى حد في الأسواق التنافسية.

أهمية المواءمة الإستراتيجية بين المستويات الثلاث

تعد المواءمة بين المستويات الثلاث لإستراتيجيات الأعمال أمراً بالغ الأهمية لتحقيق التوافق الإستراتيجي وتعظيم الأداء التنظيمي. حيث يقوم التعاون على مستوى الصناعة بتحديد قرارات الشركات فيما يتعلق بإدارة المحافظ وإستراتيجيات النمو، في حين تتماشى إســتـراتـيـجـيـات وحـدات الأعـمـال مـع الأهداف التنظيمية للشركة. وتضمن هذه المواءمة أن تكون المبادرات الإستراتيجية متماسكة ومتّسقة ومعززة لبعضها البعض، مما يؤدي إلى خلق قيمة مستدامة ونجاح تنافسي.

إن المنظمات التي تنجح في دمج جهودها الإستراتيجية عبر تلك المستويات المتعددة تكون في وضع أفضل للتنقل بين ديناميكيات السوق المعقّدة، وتستفيد من الفرص الناشئة، وتحقق النمو والربحية على المدى الطويل.

أبرز تحديات المواءمة الإستراتيجية

في حين أن المواءمة عبر المستويات الإستراتيجية المتعددة يقدم فوائد كبيرة للمنظمات، لكنه بذات الوقت يشكل العديد من التحديات التي ينبغي على المنظمات التغلب عليها. وتشمل هذه التحديات (على سبيل المثال لا الحصر) التنسيق بين مختلف أصحاب المصلحة في منظومة الصناعة، والتوفيق بين الأولويات المتضاربة بين وحدات الأعمال، ومواءمة أهداف الشركة مع حقائق السوق؛ علاوة على ذلك، فإن الطبيعة الديناميكية لبيئات الأعمال تتطلب التكيف المستمر والسرعة، مما يزيد من تعقيد عملية المواءمة الإستراتيجية.